تفسير سورة هـــــــــــود
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات 1 ـ 4
( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
الر : الحروف فى بداية السور كما اوضحنا من قبل
قل لهم يا محمد :
القرآن كتاب الله إليكم آياته محكمة فى ألفاظها ومعناها مفصل من عند الله الحكيم فى أقواله وأفعاله الخبير بما ينفع النفوس والخبير بخبايا الأمور
والله الذى أوضح آيات القرآن يأمركم فيه بأن تعبدوه وحده لا شريك له ، وأرسلنى إليكم لأنذركم من عذاب الله وأبشر بجزائه للمؤمنين
ويأمركم الله بأن تستغفروه من ذنوبكم الماضية وتتوبوا إليه ، ولو فعلتم ذلك فإن الله يمتعكم متاعا حسنا فى الدنيا حتى موعد محدد ثم يجازى أصحاب الفضل بفضل مثله .
ومن تولى عن أوامر الله فإنه يناله عذاب شديد يوم القيامة أخشى عليكم منه
وسترجعون إلى الله القادر على كل شئ وأى شئ قادر على الإحسان لمن أطاعه وقادر على تعذيب من عصاه .
الآية 5
(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )
ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه : كان أناس حين يجامعون نساءهم يستحون ويخجلون فيغطون رؤوسهم وبعضهم يفضى إلى السماء اعتذارا .
يستغشون يغطون رؤوسهم ليلا إذا عملوا السيئات ليستخفون من الله .
ومعنى الآية :
قل لهم يا محمد أنهم كانوا يستحيون من أفعالهم ثم يظنون أنهم سيستخفون من الله بها ، لا فإن الله يراهم ويعلم ما يخفون فى صدورهم وفى ضمائرهم وما يعلنون من القول والفعل
الآية 6
( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )
الله متكفل بأرزاق العباد والمخلوقات جميعا التى تعيش على أو فى الأرض كبيرها وصغيرها فى البر أو فى البحر أو فى جو السماء ويعلم سيرها وأين تستقر وأين تسكن فى مكانها من الأرض أو فى الرحم ( مستقرها ) أو فى صلب الأنعام ( مستودعها ) وذلك كله مكتوب واضحا فى كتاب عند الله .
الآيات 7 ، 8
( وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ *وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ )
يخبر الله تعالى أن كان عرشه على الماء ثم كتب فى اللوح المحفوظ كل شئ
فخلق السموات والأرض فى ستة أيام لينفع الناس ويعبدوه واسكنهم الأرض ليختبرهم ويفاضل بينهم فى أعمالهم الحسنى خالصة لله
وهؤلاء الكافرون ينكرون يوم القيامة عندما تحدثهم يا محمد عن البعث بعد الموت ويقولون أن من يصدقك ويتبعك أنه واضح أنك تسحره .
وإذا أخرنا العذاب فترة لهؤلاء الكفار فإنهم يقولون ما يمنعه لو كان صادقا عن تعذيبنا ـــ وهذا من باب التكذيب .
بلا فإنه عندما يأتيهم العذاب لن يبتعد عنهم ويصيبهم ما كانوا به يستهزئون
الآيات 9 ـ 11
( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ )
وهذا هو حال الناس _ إلا من عصم الله من المؤمنين _ إذا وجد نعمة من ربه فهو يفتتن بها ويبتعد عن طاعة ربه ، وإذا مسه الشر ييأس من رحمة الله ويحزن ويظن أن لا مخرج له من أمره
أما المؤمنين الذين صلح عملهم فهم يصبرون على الضراء ويحذرون من أن تفتنهم السراء وهؤلاء يغفر الله لهم السيئات ويؤجرهم عظيم الجزاء على صبرهم وتقواهم .
الآيات 12 ـ 14
( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ )
سأل كفار مكة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يفجر لهم عين ماء جارية حتى يؤمنوا له .
وسألوه أن تكون له بدلا من جبال مكة جنة مملوءة بالنخيل والأعناب تجرى فيها الأنهار بلا انقطاع فى مكة الصحراء .
أو أن السماء تنشق وتتدلى أطرافها وتسقط قطعا على الأرض كما وعدهم بما يحدث يوم القيامة .
أو أن يروا الله والملائكة كما حدثهم بما يكون يوم القيامة .
أو أن يكون له قصر من الزخارف واللآلئ والذهب ، أو أن يصعد إلى السماء على سلم وتراه أعينهم .
فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : فلا يضيق صدرك بما يقولون فإنما أنت تنذرهم وتبلغهم آيات ربك
والله وكيل على كل شئ
ثم يثبت الله تعالى إعجاز القرآن ويتحدى الكفار بأن يحاولوا إن كانوا صادقين أن يقولوا ولو بعشر مثل القرآن الذى يدعون أنه مفترى من عند نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويدعوا من استطاعوا للإيمان بما قالوا ولن يجدوا من يتبعهم ، ويقول إن القرآن من عند الله الحق وهو حق لا شك فيه
ولكن الكفار يكذبون بما ليس لهم به علم ولم يحيطوا بعلمه ولم يفهموا ما به من الهدى ولكنهم يكذبون تعنتا وسفها .
فقد كذب من قبلهم مثلما كذبوا وما كان عاقبتهم إلا الهلاك بظلمهم .
فقل لهم أنه من عند الله الواحد ولا إله إلا هو ... فهل تؤمنون وتسلموا لله ؟
الآيات 15 ، 16
( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
من كان يرائى بعمله فى الدنيا ولا يريد إلا السمعة نعطيه أجره فى الدنيا لا يظلم شيئا وليس له فى الآخرة من جزاء ولا نصيب ولكنه فى الآخرة له عذاب النار ويحبط عمله وما كان يعمل فهو باطل لأنه لم يرغب به رضا الله
الآية 17
( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ )
أفمن كان على بينة من ربه : المؤمنون على فطرة الله التى خلق عليها عباده وهى الإعتراف بأن لا إله إلا الله
ويتلوه شاهد منه : وجاءهم شاهد من الله وهم الأنبياء والشرائع المطهرة ومحمد خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم الذى جاء بالقرآن العظيم يشهدون بأن لا إله إلا الله
ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ، أولئك يؤمنون به : ومن قبل القرآن الكريم جاء موسى بالتوراة وآمنوا به وبما فيها من توحيد وتبشير بقدوم محمد صلى الله عليه وسلم
ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده : ومن يكفر بالقرآن من اليهود أو النصارى أو الكفار أو المشركين فمصيره إلى النار
فلا تك فى مرية منه : فلا يكن عندك شك فى القرآن أنه من عند الله
وهو الحق منزل من عند الله ربك ورب العالمين ، ولكن كثير من الناس لا يؤمنون .
المصدر: منتدى عدلات النسائي