السلام عليكم ورحمة الله
بين الزوجة والحماة ؟. أنا وهي. لا أنا أو هي !
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي ؟
قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أبوك " رواه البخاري " .
قمة التقدير والتكريم والاعتراف لإنسانة رائعة في حنانها وحبها وعطائها ونكرانها لذاتها ، غير أن الإنسان ميال إلى النسيان والالتصاق باللحظة التي هو فيها ، متشبث بمصالحة الأنية .
لكن قيم الإسلام الخالدة الربانية تثبت داخل قلبه كوابح تعيد التوازن إلى عواطفه وسلوكاته الاجتماعية والأسرية حتى لا يميل كل الميل ، فيظلم ويعتدي على حقوق أقرب الناس إليه وأحقهم بحسن صحبته وعشيرته ومعاملته .
وإذا كانت الفتاة بعد زواجها تبقى أكثر ارتباطاً ووفاءً لعش الطفولة ولا تتأثر حميميتها بالصدر الدافئ إلا نادراً ، فإن الأمر يختلف فيما يتعلق بالإبن بعد زواجه ، تنزوي الأم وهي تتحسس انكماش العلاقة بينها وبين جزء من كيانها ، أتحدت معه لسنوات وخفق قلبه في داخلها بكل المقاييس ، ونزلت دموعه من عينيها قبل عينيه هو ، قد يكون الانتقال هادئاً ومتزناً ، وقد يكون عنيفاً مؤلماً ، وتؤدي الزوجة هنا دوراً حاسماً في التحكم الإيجابي بهذه المرحلة ، حيث تستمر العلاقة بين الزوج وأمه مستوعبة حسن الصحبة التي ألم عليها الرسول الكريم ، وما سوى ذلك فهو عقوق وجحود مهما كانت المبررات .
الواقع الاجتماعي ينطق بمآس كثيرة ، وحروب أسرية تقطع معاً الأرحام وتهدم تحت وطأتها البيوت .
سنتناول هذه الإشكالية من خلال اعترافات واقعية قد تسلط الضوء على الأبعاد النفسية والتربوية المتحكمة سلباً أو إيجاباً في علاقة الزوجة بالحماة .
الأنانية وحب الذات والرغبة المرضية في الاستحواذ على الزوج تجعل الزوجات يتنكرن لحق الأم في الوفاء ، ويتعاملن معها كالند أو المنافس الخطير ، ويستكثرن عليها جلسة حميمة مع ابنها ، تقول إحداهن ، " كلما رأيت زوجي مع أمه لوحدهما يطيلان الحديث أغتاظ ، لأن ذلك يكون على حسابي " ، وتقول أخرى : " كلما اشترى لي شيئاً أشترى مثله لأمه ، وهذا ، وهذا يجعلني أثور " وتشتكي أخرى : " حماتي تطب دائماً من ابنها أن يرافقها في بعض الأماكن لقضاء أغراضها ، وبإمكانها القيام بذلك لوحدها ، وهي تحب ابنها حباً جنونياً لأنه وحيدها ، وهذا يضايقني " ، تؤكد سيدة أخرى : " كلما ذهب عند أمه جاء بغير الوجه الذي ذهب به ، إنها توغر صدره ضدي لذلك قاطعتها ، فهي لم تعد تزورني ، وابنها يذهب إليها متى شاء " .
البيت المستقل صار شرطاً من شروط الزواج ، غير أن ضعف الوازع الديني والتربوي لا يجعل بعض الزوجات يدخلن بيت الزوجية حاملات لتصور مسبق يفترض أن أم الزوج لا يمكن أن تكون إلا ضد سعادتهن الزوجية ، ويكون رد فعل الحماة في سياق هذا التصور ، وهنا تبدأ الحرب الباردة بينهما ، وتتطرق المواقف المضادة التي يحترق في أتونها الزوج المسكين وتضطرب مواقفه في الميل المتطرف لإحداهن ، وهنا تفقد توازنها وتسقط السقوط المريع .
يقول أحد الأزواج : " أمي من النوع الذي اعتاد على أن يتحكم في كل شئ داخل الأسرة ، وعندما تزوجت لم يتغير هذا الوضع ، بل أشعر أن أمي تتألم عندما تلاحظ أن زوجتي لها مواقفها الخاصة في أمور أسرتنا الصغيرة ، وزوجتي مثقفة وجامعية وهي فعلاً تتحمل هيمنة أمي ..
ولكن إلى متى ؟ " .
إنه وجه آخر لهذه الإشكالية يجب التعامل معه بأناة ورفق وصبر جميل من طرف الزوجة ، والأخذ بالتدرج في تغيير وضع من المؤكد أنه غير طبيعي ، وكل زوجه من حقها أن يكون لها كيانها الخاص .
والحياة لا تخلو أيضاً من نماذج الاقتداء بها وهي ليست صعبة المنال لكل من أخلص في تحقيقها ، وسعى إليها طالباً رضى الله ؟ عز وجل ؟ والوقوف عند حدوده ، وإذا كان لكل بيت خصوصياته انطلاقاً من تركيبته التربوية وعاداته ودرجة نضجه الاجتماعي ومستواه التعليمي والمعيشي ،
فإن هناك خطوطاً عريضة مشتركة يمكن أن تساهم في تحقيق التفاهم والانسجام بين الزوجة والحماة ومنها :
* أن تدرك الأم أن زواج ابنها مرحلة أخرى من مراحل أمومتها العظيمة ، وأن من حق طفلها بالأمس أن يحب زوجته ويكرمها ، كما لو كانت ابنتها هي ، وأن حب الزوجة لا يمكن أن يكون هادماً لحب الأم أو بديلاً عنه فلكل واحد منهما امتداداته الخاصة داخل النفس البشرية .
* أن تدرك الزوجة أن الحماة يمكن أن تكون أماً لها وأن عليها أن تعين زوجها على أن يكون باراً بأمه معنوياً ومادياً ، وأن لا يجعلها في آخر قائمة انشغالاته ، فيرمي لها بقتات وقته وحبه وماله ،فإن ذلك أشد ما يؤلم الأم ويجعل صدرها يتأجج غيظاً على زوجة ابنها التي استأثرت بكل شئ ، ولتعامل الزوجة حماتها كما تتمنى أن يعملنها زوجات أبنائها مستقبلاً ، وهي قدوة لهن على كل حال .
* أما الزوج فعليه أن يبحث عن أسباب الهوة بين أمه وزوجته ، فقد تكون بسيطة وسهلة العلاج ، وقد يكون سلوكه هو السبب حيث يخل بحقوق أحد الطرفين ، ولكن الأهم هو ألا يدع الخلافات تستفحل حتى تصل إلى باب مسدود كتب عليه " أنا أو أمك " ، أو " انا أو زوجتك " ، لأن الرضوخ إلى أحد الخيارين فيه ظلم ومعصية لله عز وجل .
وليدركوا جميعاً ؟ زوجات وأبناء ؟ أننا ننتمي إلى أمة يتلى فيها قول الله تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ، فإما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما إف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " .
المصدر: منتدى عدلات النسائي