

الجزءالتاسع عشــر
سيــــــرة الحبيبﷺ

كتابة الصحيفــــة

« قيل انه عمارة بن الوليد» من شبابهم يتبناه، ويسلّم إليهم ابن أخيه، فقال: عجبا لكم تعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ فلما رأوا ذلك أجمعوا أمرهم على منابذة بني هاشم وبني المطلب ولدي عبد مناف وإخراجهم من مكة، والتضييق عليهم، فلا يبيعونهم شيئا، ولا يبتاعون منهم حتى يسلّموا محمدا للقتل،
_ وكتبوا بذلك صحيفة وضعوها في جوف الكعبة ، فانحاز بنو هاشم- بسبب ذلك في شعب أبي طالب، ودخل معهم بنو المطلب سواء في ذلك مسلمهم وكافرهم ما عدا أبا لهب، فإنه كان مع قريش، وانخزل عنهم بنو عمّيهم عبد شمس ونوفل ابني عبد مناف، فجهد القوم حتى كانوا يأكلون ورق الشجر
«وفي رواية يونس أن سعدا قال: خرجت ذات ليلة لأبول، فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء، فقويت بها ثلاثا» ،
وكان أعداؤهم يمنعون التجار من مبايعتهم وفي مقدّمة المانعين أبو لهب.


وبعد دخول الرسول ﷺوقومه الشّعب أمر جميع المسلمين أن يهاجروا للحبشة حتى يساعد بعضهم بعضا على الاغتراب، فهاجر معظمهم وكانوا نحو ثلاثة وثمانين رجلا وثماني عشر امرأة، وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب وزوجه أسماء بنت عميس، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن مسعود، وعبيد الله بن جحش، وامرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، وتوجّه لهم الذين أسلموا من جهة اليمن وهم الأشعريون: أبو موسى وبنو عمه . ولما رأت قريش ذلك أرسلت في أثرهم عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدايا إلى النجاشي ليسلّم المسلمين، فرجعا شرّ رجعة، ولم ينالا من النجاشي إلّا إهانة لما خاطبوه به من اخفار ذمته في قوم لاذوا به، أما بنو هاشم فمكثوا في الشعب قريبا من ثلاث سنوات في شدّة الجهد والبلاء لا يصلهم شيء من الطعام إلّا خفية.


وقد قام خمسة من أشراف قريش يطالبون بنقض هذه الصحيفة الظالمة،
وهــم:
هشام بن عمرو بن الحارث العامري، وهو أعظمهم في ذلك بلاء، وزهير ابن أبي أميّة المخزومي ابن عمة الرسول عاتكة، والمطعم بن عديّ النوفلي، وأبو البختريّ ابن هشام الأسدي، وزمعة بن الأسود الأسدي،
واتفقوا على ذلك ليلا، فلمّا أصبحوا غدا زهير وعليه حلّة، فطاف بالبيت ثم أقبل على الناس،
فقال:
_ يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم والمطلب هلكى لا يبيعون ولا يبتاعون! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة.
فقال أبو جهل:
كذبت، فقال زمعة لأبي جهل: أنت والله أكذب! ما رضينا كتابتها حين كتبت،
فقال أبو البختري:
صدق زمعة، وقال المطعم بن عدي: صدقتما، وكذب من قال غير ذلك، وصدّق على ما قيل هشام بن عمرو، فقام إليها المطعم بن عدي فشقها، وكانت الأرضة قد أكلتها فلم يبق فيها إلّا ما فيه اسم الله ، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عمه أبا طالب بذلك قبل أن يفعل ما ذكر، فخرج القوم إلى مساكنهم بعد هذه الشدة
قال ابن هشام: وذكر بعض أهل العلم: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طالب: يا عم، إن ربي الله قد سلّط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما هو لله إلّا أثبتته فيها، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان، فقال: أربك أخبرك بهذا؟ قال: نعم. قال: فو الله ما يدخل عليك أحد ثم خرج إلى قريش، فقال يامعشر قريش، ان ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم صحيفتكم فإن كان كما قال ابن أخي، فانتهوا عن قطيعتنا وأنزلوا عما فيها، وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي، فقال القوم: رضينا فتعاقدوا على ذلك، ثم نظروا، فإذا هي كما قال رسول الله ﷺ، فزادهم ذلك شرا، فعند ذلك صنع الرّهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا.



بلغهم خبره من مهاجري الحبشة، فسارعوا بالقدوم عليه حتى يروا صفاته مع ما ذكر منها في كتبهم، وكانوا عشرين رجلا أو قريبا من ذلك، فقرأ عليهم القران فامنوا كلّهم،

فأنزل الله في ذلك في سورة القصص
( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ
الاية 52- 55

_ كل ذلك شأن العاجز المعاند الذي لا يستحي لمزيد عناده أن يقول:
( اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) «سورة الانفال الاية 32»
نتوقف هنا بارك الله فيكم على طيب المتابعة
ونكمل فى الحلقة القادمة بإذن الله تعالى


نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للخضرى محقق

